بعنوان: صراع
جئنا الى الدنيا حفاة عراة عميانا...
أفئدتنا هواءا وعقولنا هيمانا...
وأول خطوة لنا...
التفت الساق بالساق...
وكانت الرحمة سقيانا...
وسرنا نجوب الارض...
طولا وعرضا شمالا وايمانا...
فاختلفنا في منعطف الطريق...
وافترق لقانا...
على طريق لا أحد يفوز فيه...
ولو طال عمره عمرانا...
فواحد اختار طريقا لا احد فيه...
يكون كسبانا...
وآخر يقول في الطريق حقي...
كيف يأخذوه مني عدوانا...
فتولدت التفرقة بين البؤس والغنى...
وتفرقنا شيوخا وغلمانا...
ويوما ذهبنا نشتكي البؤس للغنى...
إلا أن الغنى جفانا...
فرجعنا نذرف الدمع والإملاق أثقل ممشانا...
فصبرنا النفس فطال الصبر فأعيانا...
فقلنا للعيون بالدمع جودي...
فأجابت العيون أن الدمع جف...
فقد سال وديانا...
ولم تعد عيون البؤس للأفق تنظر...
لانها أصبحت عميانا...
فاكتحلت العيون بالظلام...
ولا أحد من التعثر وسانا...
فأكلنا الرغيف حاف وشربنا الماء...
هذا إن وجدناهما وبيننا كانا...
فكم من ليلة باتت البطون تسمع لها صفيرا...
تشتكي طعاما تركها تبيت جوعانا...
فمددنا كفوفنا لكفف...
لعل كف الغنى يرعانا...
وبالكفف رضينا بالكفوف...
وبكف الهمنا البطون أنها ستبيت شبعانا...
وعندما رضينا بالكفف...
وقلنا ذاك كفانا...
ثار الغنى في وجه البؤس...
وقال قبح الله مسعانا...
فقلنا نغير الكفف ونزرع الورد...
لكن الورد صار شوكا فأذمانا...
وقلنا نعصر الشهد...
فتحول الشهد علقما قطرانا...
ومن ظمئنا شربنا العلقم...
فخلناه حلوا وقلنا ذاك كفانا...
فظن الغنى أن العلقم شهد...
فأخذه منا حرمانا...
فتركنا الغنى وقلنا عنه نرحل...
فلا يوجد بينه وبيننا مكانا...
فتعثرنا من أول وهلة...
عندما قال الغنى...
لا مكان يسكنه سوانا...
فصرنا أينما حللنا نجد الغنى...
يقطع الطريق علينا عدوانا...
فركبنا البحر نبحث عن أوطان...
نجعلهم لنا أوطانا...
وسكانهم لنا إخوانا...
فسخر البحر منا وقال...
كيف تتركون أرضا كلها خيرات وسلوانا...
فثار البحر ولطمت أمواجه الصخور...
ولم يكثرث لمسعانا...
فأصبحت بطون الحوت...
لأجسام البؤس قبرانا...
وبين صريخ وعويل وبكاء...
انتشلنا من بين الصخور موتانا...
ووارينا الثرى من كان له الحظ...
وورث من أرض الأجداد اكفانا...
فأقبل الغنى يمشي بين القبور يقدم العزاء...
ومن قبل كان يظن انه بلبل صداح...
ونحن عليه شؤم بوم وغربانا...
وهو من يرث وحده أرض الأجداد...
ونسي أن ميراثه ما تبقى من اكفانا...
وكما جئنا للدنيا في أول بيت في القصيد...
نعود منها حفاة عراة عميانا...
وكما سرنا في الأرض نبحث عن ميراث...
واختلفنا إما يمينا أو شمالا...
سنختلف عند تطاير الصحف...
إما نأخذه شمالا وإما أيامنا...
ذاك هو الميراث الأكبر...
إما لهيب نار أو نعيم جنانا...
رشيد العلمي